كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



في هذه الموجة من موجات السياق المتدفق في السورة، يتجه الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيب الله سبحانه خاطره في أوله، مما يلاقيه من تكذيب قومه له، وهو الصادق الأمين، فإنهم لا يظنون به الكذب، إنما هم مصرون على الجحود بآيات الله وعدم الاعتراف بها وعدم الإيمان، لأمر آخر غير ظنهم به الكذب! كما يواسيه بما وقع لإخوانه الرسل قبله من التكذيب والأذى، وما وقع منهم من الصبر والاحتمال، ثم ما انتهى إليه أمرهم من نصر الله لهم. وفق سنته التي لا تتبدل.. حتى إذا انتهى من المواساة والتسرية والتطمين، التفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقرر له الحقيقية الكبرى في شأن هذه الدعوة.. إنها تجري بقدر الله وفق سنته، وليس للداعية فيها إلا التبليغ والبيان.. إن الله هو الذي يتصرف في الأمر كله، فليس على الداعية إلا أن يمضي وفق هذا الأمر، لا يستعجل خطوة ولا يقترح على الله شيئًا. حتى ولو كان هو النبي الرسول! ولا يستمع إلى مقترحات المكذبين- ولا الناس عامة- في منهج الدعوة، ولا في اقتراح براهين وآيات معينة عليه.. والأحياء الذين يسمعون سيستجيبون، أما موتى القلوب فهم موتى لا يستجيبون، والأمر إلى الله إن شاء أحياهم وإن شاء أبقاهم موتى حتى يرجعوا إليه يوم القيامة.
وهم يطلبون آية خارقة على نحو ما كان يقع للأقوام من قبلهم، والله قادر على أن ينزل آية. ولكنه سبحانه لا يريد- لحكمة يراها- فإذا كبر على الرسول إعراضهم فليحاول هو إذن بجهده البشري أن يأتيهم بآية!.. إن الله سبحانه هو خالق الخلائق جميعًا، وعنده أسرار خلقهم، وحكمة اختلاف خصائصهم وطباعهم. وهو يترك المكذبين من البشر صمًا وبكمًا في الظلمات، ويضل من يشاء ويهدي من يشاء وفق ما يعلمه من حكمة الخلق والتنويع..
{قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}..
إن مشركي العرب في جاهليتهم- وخاصة تلك الطبقة التي كانت تتصدى للدعوة من قريش- لم يكونوا يشكون في صدق محمد صلى الله عليه وسلم فلقد عرفوه صادقًا أمينًا، ولم يعلموا عنه كذبة واحدة في حياته الطويلة بينهم قبل الرسالة، كذلك لم تكن تلك الطبقة التي تتزعم المعارضة لدعوته تشك في صدق رسالته، وفي أن هذا القرآن ليس من كلام البشر، ولا يملك البشر أن يأتوا بمثله..
ولكنهم- على الرغم من ذلك- كانوا يرفضون إظهار التصديق، ويرفضون الدخول في الدين الجديد! إنهم لم يرفضوا لأنهم يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لأن في دعوته خطرًا على نفوذهم ومكانتهم.
. وهذا هو السبب الذي من أجله قرروا الجحود بآيات الله، والبقاء على الشرك الذي كانوا فيه..
والأخبار التي تقرر الأسباب الحقيقية لموقف قريش هذا وحقيقة ظنهم بهذا القرآن كثيرة:
قال ابن اسحاق: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري: أنه حُدِّث، أن أبا سفيان بن حرب، وأبا جهل بن هشام، والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي، حليف بني زهرة، خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي من الليل في بيته فأخذ كل رجل منهم مجلسًا يستمع فيه. وكل لا يعلم بمكان صاحبة. فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الصبح تفرقوا، فجمعهم الطريق، فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائهم لأوقعتم في نفسه شيئًا. ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة. ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له. حتى إذا طلع الفجر تفرقوا. فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود. فتعاهدوا على ذلك.. ثم تفرقوا.. فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها، وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها. قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به. ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل عليه في بيته، فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: ماذا سمعت؟ قال: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف.. أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه! قال: فقام عنه الأخنس وتركه..
وروى ابن جرير- من طريق أسباط عن السدي- في قوله: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}.. لما كان يوم بدر، قال الأخنس بن شريق لبني زهرة: يا بني زهرة إن محمدًا ابن أختكم، فأنتم أحق من ذب عن ابن أخته، فإن كان نبيًا لم تقاتلوه اليوم، وإن كان كاذبًا كنتم أحق من كف عن ابن أخته. قفوا حتى ألقى أبا الحكم، فإن غَلب محمد رجعتم سالمين، وإن غُلب محمد فإن قومكم لن يصنعوا بكم شيئًا- فيومئذ سمي الأخنس وكان اسمه أُبي- فالتقى الأخنس بأبي جهل، فخلا به، فقال: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد: أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا من قريش غيري وغيرك يستمع كلامنا! فقال أبو جهل: ويحك! والله إن محمدًا لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ فذلك قوله: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}.
ونلاحظ: أن السورة مكية، وهذه الآية مكية لا شك في ذلك؛ بينما الحادثة المذكورة كانت في المدينة يوم بدر.. ولكن إذا عرفنا أنهم كانوا يقولون أحيانًا عن آية ما: فذلك قوله: كذا.. ويقرنون إليها حادثًا ما لا للنص على أنها نزلت بسبب الحادث الذي يذكرونه؛ ولكن بسبب انطباق مدلولها على الحادث، بغض النظر عما إذا كان سابقًا أو لاحقًا.. فإننا لا نستغرب هذه الرواية..
وقال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: حُدِّثت أن عتبة بن ربيعة- وكان سيدًا- قال يومًا وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله أن يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟- وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه، ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون- فقالوا: بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن أخي. إنك منا حيث علمت من البسطة في العشيرة، والمكان في النسب. وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم. فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها. قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قل: يا أبا الوليد أسمع» قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الأطباء، وبذلنا فيها أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه.. أو كما قال.. حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه- قال: «أفرغت يا أبا الوليد؟» قال: نعم. قال: «فاستمع مني». قال: أفعل. قال: «بسم الله الرحمن الرحيم: حم. تنزيل من الرحمن الرحيم. كتاب فصلت آياته قرآنًا عربيًا لقوم يعلمون. بشيرًا ونذيرًا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون..» ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وهو يقرؤها عليه. فلما سمع عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره، معتمدًا عليهما، يستمع منه، حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد. ثم قال: «قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك».. فقام عتبة إلى أصحابه.
فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به! فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قط. والله ما هو بالسحر، ولا بالشعر، ولا بالكهانة. يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها لي.. خلوا بين الرجل وما هو فيه، فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به.. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه! قال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم!
وقد روى البغوي في تفسيره حديثًا- بإسناده- «عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضى في قراءته إلى قوله: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود...} فأمسك عتبة على فيه، وناشده الرحم، ورجع إلى أهله، ولم يخرج إلى قريش، واحتبس عنهم.. إلى آخره.. ثم لما حدثوه في هذا قال: فأمسكت بفيه، وناشدته الرحم أن يكف. وقد علمتم أن محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذب فخشيت أن ينزل بكم العذاب».
وقال ابن اسحاق: إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش- وكان ذا سن فيهم- وقد حضر الموسم. فقال لهم: يا معشر قريش، إنه قد حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فاجمعوا فيه رأيًا واحدًا، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا، ويرد قولكم بعضه بعضًا. قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس فقل، وأقم لنا رأيًا نقل به، قال: بل أنتم فقولوا: أسمع. قالوا: نقول: كاهن! قال: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان، فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه! قالوا: فنقول: مجنون! قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته! قالوا: فنقول: شاعر! قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر! قالوا: فنقول: ساحر! قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنفثهم ولا عقدهم! قالوا: فما نقول يا أبا عبد الشمس؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئًا إلا عرف أنه باطل! وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا: هو ساحر، جاء بقول هو سحر، يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته.
. فتفرقوا عنه بذلك. فجعلوا يجلسون بسبل الناس- حين قدموا الموسم- لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا له أمره!
وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن ثورة، عن معمر، عن عبادة بن منصور، عن عكرمة: أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له. فبلغ ذلك أبا جهل بن هشام. فأتاه فقال له: أي عم! إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالًا! قال: لم؟ قال: يعطونكه، فإنك أتيت محمدًا تتعرض لما قبله! (يريد الخبيث أن يثير كبرياءه من الناحية التي يعرف أنه أشد بها اعتزازًا!) قال: قد علمت قريش أني أكثرها مالًا! قال: فقل فيه قولًا يعلم قومك أنك منكر لما قال، وأنك كاره له! قال: فماذا أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن! والله ما يشبه الذي يقوله شيئًا من هذا. والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليحطم ما تحته. وإنه ليعلو وما يعلى. قال: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه.. قال: فدعني حتى أفكر فيه.. فلما فكر قال: إن هذا إلا سحر يؤثر. يؤثره عن غيره. فنزلت: {ذرني ومن خلقت وحيدًا...} حتى بلغ: {عليها تسعة عشر} وفي رواية أخرى أن قريشًا قالت: لئن صبأ الوليد لتصبون قريش كلها! فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه! ثم دخل عليه.. وأنه قال- بعد التفكير الطويل- إنه سحر يؤثر. أما ترون أنه يفرق بين المرء وأهله وولده ومواليه.
فهذه الروايات كلها تبين أن هؤلاء المكذبين لم يكونوا يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكذبهم فيما يبلغه لهم. وإنما هم كانوا مصرين على شركهم لمثل هذه الأسباب التي وردت بها الروايات، وما وراءها من السبب الرئيسي، وهو ما يتوقعونه من وراء هذه الدعوة من سلب السلطان المغتصب، الذي يزاولونه، وهو سلطان الله وحده. كما هو مدلول شهادة أن لا إله إله إلا الله التي يقوم عليها الإسلام. وهم كانوا يعرفون جيدًا مدلولات لغتهم؛ وكانوا لا يريدون أن يسلموا بمدلول هذه الشهادة.
وهو إنما يمثل ثورة كاملة على كل سلطان غير سلطان الله في حياة العباد.. وصدق الله العظيم: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}..
والظالمون في هذا الموضع هم المشركون. كما يغلب في التعبير القرآني الكريم.
ويستطرد من تطييب خاطر الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان الأسباب الحقيقية لموقف المكذبين منه ومن دعوته، ومن آيات الله الناطقة بصدقه وصدق ما جاء به.. يستطرد من هذا إلى تذكيره بما وقع لإخوانه الرسل قبله- وقد جاءه من أخبارهم في هذا القرآن- ثم ما كان منهم من الصبر والمضي في الطريق، حتى جاءهم نصر الله. ليقرر أن هذه هي سنة الدعوات التي لا تتبدل، ولا يغير منها اقتراحات المقترحين، كما أنها لا تستعجل مهما ينزل بالدعاة من الأذى والتكذيب والضيق: {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين}..
إن موكب الدعوة إلى الله موغل في القدم، ضارب في شعاب الزمن، ماض في الطريق اللاحب، ماض في الخط الواصب.. مستقيم الخطى، ثابت الأقدام. يعترض طريقه المجرمون من كل قبيل، ويقاومه التابعون من الضالين والمتبوعون، ويصيب الأذى من يصيب من الدعاة، وتسيل الدماء وتتمزق الأشلاء.. والموكب في طريقه لا ينحني ولا ينثني ولا ينكص ولا يحيد.. والعاقبة هي العاقبة، مهما طال الزمن ومهما طال الطريق.. إن نصر الله دائمًا في نهاية الطريق: {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين}..
كلمات يقولها الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم.. كلمات للذكرى، وللتسرية وللمواساة، والتأسية.. وهي ترسم للدعاة إلى الله من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقهم واضحًا، ودورهم محددًا، كما ترسم لهم متاعب الطريق وعقباته، ثم ما ينتظرهم بعد ذلك كله في نهاية الطريق.